السيارة والكومبيوتر اسرار العلاقة الجديدة تظهر بوضوحمنذ بدأت الأجيال الأولى من الكومبيوتر تظهر إلى الوجود الفعلي في مستهل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، بدا وكأن هناك نقاط تشابه وارتباط مشتركة بينها وبين السيارات• فكل منها يتعرض لحالات التعطل والتوقف عن العمل إلا أن الربط بينها يمكنه أن يرقى بأداء السيارات إلى مستويات لا يمكن بلوغها على الإطلاق باستخدام أي من الوسائل الأخرى، وأصبح يستحيل على أية شركة مصنعة للسيارات الحديثة أن تتخلى عن إقامة مثل هذه العلاقة الوطيدة بين الكومبيوتر والنماذج الحديثة التي تنتجها من السيارات•ولعل من المصادفات التاريخية الغريبة أن يؤسس هنري فورد شركته الرائدة لصناعة السيارات في العام ذاته الذي نجح فيه الأخوان رايت بالتحليق بأول طائرة· والآن، وبعد مضي نحو 100 عام على هذين الحدثين التكنولوجيين المهمين،يبدو وكأن العلاقة بين تكنولوجيات صناعة السيارات والطائرات بدأت بالتمازج والتداخل بحيث أصبحت كل منها تستعير إبداعات واختراعات الأخرى· وبالطبع، ينبغي أن لا يفهم من هذا الكلام أن صنّاع السيارات يحاولون الآن ابتداع نماذجها القادرة على الطيران، بل إن المقصود من ذلك هو أن مهندسي السيارات يعملون الآن بكل عزم على اقتباس الكثير من الفنون التقنية المستخدمة على نطاق واسع في عالم الطيران· وتكمن الخطوة الأولى والحاسمة في هذا المجال بتطوير العلاقة الديناميكية بين السائق والسيارة· وعندما تظهر الطلائع الأولى لهذه الابتكارات، فلن نرى السائقين وهم يشغلون أيديهم وأرجلهم وأذهانهم بعملية القيادة لأن الكومبيوتر سوف ينتزع زمام المبادرة من السائق تماماً·ولكن ·· هل يعني ذلك أننا لن نقود سياراتنا بأنفسنا عند حلول هذا العصر الجديد الذي ينبىء باقترابه الخبراء؟·يعترف الخبراء بعدم وجود جواب مباشر لهذا السؤال · ولا شك أن السيارات في عصر الكومبيوتر لم تعد مجرد آلات ميكانيكية تعمل وفق تعاقب معين· وحتى الآن، أصبحت تكاليف التجهيزات الكهربائية والإلكترونية الذكية في السيارات الفخمة الحديثة تمثل 30 بالمئة من أصل ثمنها الإجمالي· ولقد استنتج خبير في تطور الأنظمة الذكية للسيارات أن بعض السيارات المعروضة الآن للبيع أصبحت تحتكم إلى قدرة حاسوبية تفوق تلك التي كانت تحتكم نماذج العام 1982 من طائرة الإيرباص التجارية العملاقة (إيه310)· كما أن معظم السيارات الحديثة تتفوق من حيث قدراتها الحاسوبية ومستويات ذكائها الاصطناعي على عربة أبوللو الفضائية التي وضعت أول إنسان على سطح القمر· وهناك العشرات من الأمثلة لإثبات هذه الحقيقة، منها (نظام كان) CAN System الذي جاء إسمه من اختصار عبارة إنجليزية تعني (نظام شبكة التحكم العامة) وهو يستخدم الآن على نطاق واسع في التحكم بالعديد من أجزاء وعناصر السيارات الحديثة كالمحرك وعلبة السرعة وعدادات لوحة القيادة وأنظمة التكييف والموسيقى وفتح وغلق الأبواب ومجموعة المصابيح وأجهزة الأمن والسلامة والوقاية من اللصوص· وهناك مشكلة أساسية تكمن في هذا النظام الجديد وتتعلق بتكاليفه الباهظة· ويسعى الخبراء الآن لحل هذه المشكلة وتخفيض هذه التكاليف حتى يمكن إشاعة استخدام النظام في كافة أنواع السيارات، الرخيصة والفاخرة على حد سواء·وربما كان النظام المهم الذي يمكنه أن يحقق التكامل مع نظام (كان) في مجال تحقيق الأتمتة شبه الكاملة للسيارات الحديثة هو الذي يدعى (القيادة بالسلك) drive-by-wire والذي يعرف ببساطة بأنه أول نظام للقيادة يتم فيه التخلة عن الدواسات ومحور تدوير العجلات· وهو الذي يحول القيادة إلى مجموعة حركات يمكن لمجسّات ذكية مثبت ضمن المقود أن تفسرها وتحولها إلى معلومات متدفقة إلى كومبيوتر السيارة ليتصرف بناء عليها ويتولى قيادة السيارة وتوجيهها· ويمكن تبسيط مفهوم نظام القيادة بالسلك إلى أدنى الحدود بالإشارة لأنه يشبه تماماً نظام توجيه السيارة بواسطة عصا الألعاب في لعبة الأتاري· ففي هذه الحالة لايوجد محور معدني لتغيير اتجاه سير العجلات، بل يتم ذلك عبر تحويل حركة العصا إلى أوامر إلكترونية تتدفق إلى الكومبيوتر الذي يستجيب لها بسرعة فائقة· ومعظم الطائرات الحديثة بما فيها البوينج777 والإيرباص إيه320 وإيه330 تستخدم هذا النظام في التوجّه·وقد يوحي هذا العرض المختصر للتوجهات التي تشغل بال مصنعي السيارات في هذا الوقت بالإجابة عن السؤال الذي طرحناه في البداية وفاده أنه إذا كان من البديهي أن السائق هو المعني الأول والأخير بالقيادة، إلا أن الأنظمة الذكية سوف تستلب دوره كسائق للسيارة لتجعله مجرد مراقب فضولي لطريقة عملها المعقدة· وقد لايطلب منه أكثر من مجرد إخبار السيارة بالمكان الذي يقصده حتى تتم الأمور كلها دون الحاجة إلى خبرته وبراعته الشخصية